«جبر خاطر».. قصة قصيرة للكاتب عمرو صلاح الغندقلي

 عمرو صلاح الغندقلي
 عمرو صلاح الغندقلي

استيقظ كعادته في الآونة الأخيرة بوجه شاحب وعين منتفخة من أثر الأرق والنوم المتقطع، لا يكاد يكمل أربع ساعات متقطعة .

دفع الغطاء وذهب إلي المرحاض يتوضأ، ثم عاد فصلى وذهب إلى المطبخ ليعد الفطور، وكان يرفع شعار (الجودة بالموجودة ). جبن  وأعواد جرجير وما تبقى من خبز الأمس ، تناول الإفطار والظهر أوشك ومازلت زوجته نائمة، رفع ما تبقي من الفطار وذهب نحو المطبخ ليصنع كوب قهوته المعتادة بن غامق محوج بدون سكر.

أحضر الفنجان ووضعه جانب الأريكة علي المنضدة وجلس يتحسس موبايله وماذا هناك من أخبار وترندات وهو يرقب انكباب الناس بفضول وشغف لمعرفة فضائح الناس، يبدوا أن هذا الأمر شهوة، أو اعوجاج في النفس البشرية التي يدفعها فضول وتطفل لمعرفة أسرار وخفايا الناس ومن ثم تتلذذ بالفضائح.

اقتربت الساعة من الواحدة بعد الظهر ومازالت زوجته تتقلب علي السرير، يفتح التلفاز علي قناة إم بي سي تو ليشاهد فيلم أجنبي، كان فيلم ( عطر امرأة ) للمبدع ال باتشينو، كتم الصوت حتى لا يزعج زوجته في نومها ويكتفي بقراءة الترجمة.

يشعل سيجارة وينتظر أن تأتي الساعة الرابعة حتي يذهب الي العمل، يعمل كاشير بمحل حلواني الفيروز بشبرا .

تمر ساعة وقد دخن عدت سجائر وصنع لنفسه وبنفسه كوب شاي بالنعناع، تفكر في تلك التي مازالت نائمة، وقال في نفسه مرت خمسة عشر عاما علي هذا الزواج وقد رزقت ببنت وولد ولله الحمد ، منذ أن جاءوا قد أعطوا لحياتي معنى، وهي مازلت نائمة، لا أعرف ما الذي أصابها ؟!

يبدوا أنها تعاني من اكتئاب حال بينها وبين مشاعرها فأضحت تتهرب من كل شيء إلى جزيرة النوم، ما الذي أصابها وأفقدها الإحساس بالحياة، لم تعد تشتاقني ولا تحدثني عن الحب، لم تهتم بالمشاعر ولا بأنوثتها الناضجة فهي لا ينقصها شيء من جمال وأنوثة، غير أنها كما يبدوا فقدت الشغف، ولم تشعر بكونها أنثى، بل تماهت في الأشياء حتى أصابتها الأشياء بمسخ، يكاد يقضي علي ما تبقي  لديها من أنوثة .

هل حقا نَست أنها امرأة؟

وصارت تستجدي الموت وتعيش علي بقايا ذكريات أفقدتها الاستمتاع بالحاضر ومن ثم جعل المستقبل غامض تلون بلون غامق غير واضح، لذا تراها تهرب من كل ذلك بالنوم، هل تعتقد أن النوم حل ؟

أم أن التفكير بالتعجيل بالموت حل ؟

لما لم تجبر خاطري ونفطر سويا، ونشرب قهوتنا سويا، ونتبادل المشاعر والحب سويا.

لما لا تجلس بجواري كخطيبة تمسك يد خطيبها وهي تبتسم ؟

تنظر في عينه وهي ترسل سهام الشوق والرغبة، تشتاق قبلة أو عناق تذق فيه طعم الاحتواء .

يفيق من تفكيره وقد صارت الساعة الثانية بعد الظهر وقد قامت من نومها في كسل وتثائب تمشي في بطئ كسلحفاة، تتجه نحو الحمام دون أن تمعن النظر إليه وهي تقول: صباح الخير

يرد: صباح النور يا حبيبتي

لم تلتفت ومرت إلى الحمام غير مبالية

اقتربت الساعة من الثالثة، يقوم يحضر ملابسه ويحضر المكواة، يقوم بكي قميص وبنطلون، ينتهي من الكي، لا يكف عقله عن طرح الأسئلة لما ولما ولما؟

يدلف إلى الصالة يجدها جالسة تنظر إلي الموبايل وتقلب فيه، يذهب إلى الحمام ولا كلام يدور بينهم، أوشكت الساعة علي الثالثة ونصف ، حان موعد النزول هو يسكن في الزاوية الحمراء والعمل بشارع شبرا، يغسل وجهه وأسنانه بالفرشاة، يعود إلي غرفة النوم، يبدل ملابسه، يضع عطره،  ثم يدلف إلى الصالة متجهاً نحو باب الشقة ليذهب الي عمله ولا كلام يُقال ولاهناك أمل في جبر خاطر.